آخر الأخبار

تصعيد مخططات الضم الإسرائيلي للضفة الغربية يهدد مستقبل الدولة الفلسطينية وسط صمت دولي واستغلال إسرائيلي للوضع الإقليمي.للمزيد..

تصعيد مخططات الضم الإسرائيلي للضفة الغربية يهدد مستقبل الدولة الفلسطينية وسط صمت دولي واستغلال إسرائيلي للوضع الإقليمي.للمزيد..

 

في خطوة تعكس تصعيدًا خطيرًا، أطلق عدد من وزراء الحكومة الإسرائيلية دعوات لفرض "السيادة الإسرائيلية" على الضفة الغربية المحتلة، ما أثار استنكارًا واسعًا من قبل حركة حماس التي اعتبرت أن هذه الدعوات تشكل محاولة يائسة لتصفية القضية الفلسطينية. ترى الحركة أن هذا التوجه الإسرائيلي يهدف إلى فرض واقع استيطاني جديد بالقوة، ونهب المزيد من الأراضي الفلسطينية، في تجاهل تام للشرعية الدولية.

وتأتي هذه التصريحات الاستيطانية في وقت يشهد فيه الضفة الغربية، وتحديدًا مخيم جنين، عمليات عسكرية إسرائيلية متواصلة تشمل التوغل والهدم، ما يشير إلى سياسة ممنهجة لتهيئة الأرضية الميدانية لخطوات الضم التدريجية. الهجمات المتكررة على مدن وبلدات الضفة لم تتوقف منذ أشهر، ما يعكس تصعيدًا إسرائيليًا واضحًا في الضفة بالتوازي مع عدوانها المستمر على قطاع غزة.

الأكاديمي المتخصص بالشأن الإسرائيلي مهند مصطفى أوضح أن حكومة نتنياهو تمضي حاليًا في بناء منظومة تشريعية داخل الكنيست تمهّد قانونيًا لفرض السيادة على الضفة. يرى مصطفى أن هذه المساعي تهدف إلى تغيير الطابع القانوني للأراضي المحتلة، مع غياب معارضة شعبية فاعلة داخل المجتمع الإسرائيلي لهذا التوجه رغم وجود تفضيل للانفصال عن الفلسطينيين دون إقامة دولة لهم.

وتستغل الحكومة الإسرائيلية، بحسب مصطفى، انشغال الرأي العام المحلي بالحرب على غزة وملف الأسرى، بالإضافة إلى غياب التكلفة الفورية لمشروع الضم بالنسبة للمواطن الإسرائيلي، لتعزيز اللامبالاة تجاه تداعيات هذه السياسات. ويعتقد أن هذا السياق يمكّن اليمين الإسرائيلي من استغلال اللحظة لتمرير تشريعات توسعية بشكل تدريجي.

من جانبه، يرى الكاتب والمحلل السياسي الفلسطيني أحمد الحيلة أن إسرائيل وجدت في الصمت العربي وارتباك الموقف الدولي مظلة لاستكمال خطط الضم. يؤكد الحيلة أن التوسع الاستيطاني المحموم وفرض السيادة القانونية على أجزاء من الضفة الغربية يمثل تجاوزًا سافرًا للقانون الدولي، ويهدد بتصفية أية إمكانية لإقامة دولة فلسطينية مستقلة.

وبحسب الحيلة، فإن الرأي الاستشاري الأخير لمحكمة العدل الدولية شدد على أن أراضي 1967، بما فيها الضفة، هي أراضٍ محتلة لا يجوز تغيير وضعها القانوني، ما يعني أن الضم الإسرائيلي سيكون لاغيًا وباطلًا أمام القانون الدولي، لكنه في الواقع الميداني قد يصبح أمرًا واقعًا إذا استمر الصمت.

في السياق نفسه، كثّفت إسرائيل خلال الأشهر الماضية عمليات التهجير القسري للفلسطينيين من أراضيهم، خاصة في مناطق "ج" الواقعة تحت السيطرة الإسرائيلية الكاملة وفق اتفاق أوسلو، والتي تمثل الهدف الأول في مخططات الضم، عبر هدم المنازل، ومنع التراخيص، واستهداف البنى التحتية الحيوية.

ويترافق هذا التصعيد مع تصريحات متكررة لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يعلن فيها رفضه الصريح لحل الدولتين، وإصراره على رفض قيام دولة فلسطينية مستقلة، في تأكيد أن ما يجري على الأرض ليس خطوات مؤقتة بل استراتيجية متكاملة لفرض واقع جديد.

وفي ظل استمرار الحرب الإسرائيلية على غزة منذ أكتوبر 2023، تسعى الحكومة الإسرائيلية لاستغلال انشغال العالم بهذا الصراع، وتراجع التركيز الإعلامي والدبلوماسي عن الضفة الغربية، لتحقيق مكاسب ميدانية وتنفيذ مخططات الضم بهدوء نسبي دون ضغط خارجي كبير.

وتبرز خطورة هذه المرحلة في أن الضم القانوني حتى وإن بدأ بمناطق محددة سيُحوّل تدريجيًا إلى عملية شاملة، مستفيدًا من تراكم التشريعات وتغيير الواقع الميداني، تمامًا كما جرى في القدس، حيث تم تهويد المدينة على مدى عقود عبر الخطوات الصغيرة التي تحولت لاحقًا إلى واقع معترف به بحكم الأمر الواقع.

في المقابل، دعت حماس إلى تصعيد المقاومة الشعبية بكافة أشكالها في الضفة الغربية لوقف هذه الخطط، مطالبة الفلسطينيين بالاشتباك مع الاحتلال والمستوطنين، في محاولة لكسر إرادة الاحتلال ومنع تمرير المشروع التوسعي الذي تعتبره خطًا أحمر يستهدف تصفية القضية.

غير أن واقع الانقسام الفلسطيني الداخلي، والجمود السياسي للسلطة الفلسطينية، يضعف من فعالية المواجهة، في وقت تتزايد فيه المؤشرات على تهميش القضية الفلسطينية دوليًا لصالح قضايا أكثر إلحاحًا جيوسياسيًا، ما يمنح الاحتلال مساحة أكبر للتحرك دون محاسبة.

ويُخشى من أن يؤدي تنفيذ خطط الضم إلى إنهاء صيغة أوسلو تمامًا، وتحويل السلطة الفلسطينية إلى كيان إداري بلا سيادة حقيقية، يدير شؤون السكان الفلسطينيين تحت السيادة الإسرائيلية المباشرة، وهو ما يضع مستقبل القضية الفلسطينية على مفترق طرق وجودي.

في هذا السياق المتأزم، لا يبدو أن هناك إرادة دولية كافية للجم السياسات الإسرائيلية، رغم وضوح انتهاكاتها للقانون الدولي، ما يجعل من واجب الشعوب والمؤسسات الحقوقية الدولية تصعيد الضغوط لوقف هذا الانزلاق الخطير نحو نظام فصل عنصري قانوني ومؤسسي مكتمل الأركان.