آخر الأخبار

المجمع سيحدد مستقبل الكنيسة الكاثوليكية بين استمرارية إصلاحات فرنسيس أو مسار جديد، مع مراعاة أولويات المرحلة المقبلة.

المجمع سيحدد مستقبل الكنيسة الكاثوليكية بين استمرارية إصلاحات فرنسيس أو مسار جديد، مع مراعاة أولويات المرحلة المقبلة.

تتجه أنظار العالم الكاثوليكي إلى المجمع المقبل، الذي يُنتظر أن يلعب دورًا محوريًا في رسم مستقبل الكنيسة الكاثوليكية الرومانية. مع بقاء ساحة المرشحين مفتوحة على مصراعيها بفضل الإصلاحات الجذرية التي أطلقها البابا فرنسيس، يبدو أن الخيارات المطروحة أمام الهيئة الناخبة أكثر تنوعًا وتعقيدًا مما كانت عليه في أي وقت مضى.

الإصلاحات التي قام بها فرنسيس خلال فترة حبريته، ولا سيما تعديل تركيبة مجمع الكرادلة، نقلت وزن القرار من كونه محصورًا بنخبة أوروبية تقليدية إلى جسم انتخابي أكثر تمثيلًا للتنوع الجغرافي والثقافي داخل الكنيسة. في هذا السياق، يمكن إسقاط مفهوم "التعددية المؤسسية" الذي طوره روبرت داهل، حيث تصبح مراكز صنع القرار أكثر انتشارًا وأقل احتكارًا، مما يفتح الباب أمام رؤى متعددة بشأن هوية الكنيسة ومسارها المستقبلي.

انعكاسات هذا التغيير لا تقتصر فقط على شكل المؤسسة، بل تمتد إلى جوهر الدور الذي ستلعبه الكنيسة في عالم يتغير بوتيرة متسارعة. فالناخبون مطالبون هذه المرة بأخذ أولويات متعددة في الاعتبار: استمرارية إصلاحات فرنسيس المتعلقة بالشفافية، دمج المجتمعات المهمشة، التعامل مع قضايا أخلاقية شائكة مثل حقوق الإنسان والبيئة، مقابل تيار تقليدي يدعو للعودة إلى ممارسات أكثر تحفظًا.

هذا المشهد المتداخل يعكس ما يعرف بنظرية "الانتقال البنيوي" في علم الاجتماع السياسي، حيث تمر المؤسسات العريقة بمرحلة صراع داخلي بين قوى التحديث وقوى المحافظة، وكل منها يسعى لتحديد ملامح الهوية الجديدة في ظل الضغوط الخارجية والداخلية.

المسار الذي سيُرسم بناءً على هذا المجمع لن يكون مجرد قرار لاهوتي داخلي، بل سيكون له تأثيرات جيوسياسية أيضًا، لاسيما وأن الكنيسة الكاثوليكية تُعد لاعبًا معنويًا مؤثرًا على الساحة الدولية، تتدخل في قضايا الهجرة، الفقر، السلام العالمي، والعدالة الاجتماعية.

من ناحية أخرى، يبقى السؤال الكبير قائمًا: هل سيكون البابا القادم استمرارًا لخط التجديد الذي مثّله فرنسيس، أم نقطة ارتداد نحو توازن قوى أكثر تقليدية؟ نظرية "الارتداد المحافظ" كما تناولها صموئيل هنتنغتون تشير إلى أن فترات التغيير السريع عادةً ما تتبعها موجات ارتداد لاستعادة جزء من النظام القديم، وهو سيناريو محتمل بالنظر إلى مواقف بعض الكرادلة المحافظين.

بغض النظر عن النتيجة النهائية، تبدو الكنيسة الكاثوليكية مقبلة على لحظة فارقة تتطلب توازنًا دقيقًا بين الحفاظ على جذورها الدينية العميقة والانفتاح على تحديات القرن الحادي والعشرين، ضمن مشهد كنسي عالمي تتداخل فيه القضايا الروحية مع تحولات اجتماعية وثقافية واقتصادية غير مسبوقة.