منذ إسقاط نظام بشار الأسد في ديسمبر 2024، تتكشف تباعًا قصص تعيد إحياء جراح السوريين وتمنحهم جرعات من العدالة المتأخرة، لكن واحدة من أكثرها وقعًا هي تلك التي وقعت في حي المزة بدمشق، حيث ألقى شابان من ضحايا النظام القبض على معتقلهما السابق، تيسير عثمان، المعروف بـ"رب المزة". القصة تجاوزت حدود العدالة التقليدية، لتصبح تجسيدًا لما وصفه سوريون بـ"عدالة السماء"، حين يعود الجلاد مكبّلًا بأيدي ضحاياه.
عثمان، الذي كان يشغل موقعًا حساسًا في فرع الأمن العسكري المعروف بـ"215"، اعتُبر من أبرز منفذي سياسات التعذيب والقتل الممنهج ضد معارضي النظام، خاصة في أحياء المزة وكفرسوسة. تشير التقارير إلى أنه مسؤول عن مقتل أكثر من 200 شخص، إضافة إلى تعذيب المئات. المفارقة الصادمة أن الشابين اللذين نفذا عملية الاعتقال كانا قد تعرضا شخصيًا للاعتقال والتعذيب على يده، أحدهما وهو في السادسة عشرة من عمره.
انتشر مقطع فيديو مصور للقبض عليه كالنار في الهشيم على وسائل التواصل، أظهره مكبّلًا وتحت قبضة من صاروا عناصر في الأمن العام بعد انهيار النظام. الإعلامي هادي العبد الله، الذي نشر الفيديو، أرفقه بتعليق مؤثر قال فيه: "اعتقلهم صغارًا.. فعادوا إليه رجالًا وألقوا القبض عليه".
ردود الفعل الشعبية كانت مزيجًا من الفرح والتشفي. كثير من السوريين رأوا في المشهد لحظة نادرة من الانتصاف بعد سنوات من القهر والظلم، واعتبروا أن النهاية الرمزية لـ"رب المزة" هي بداية مسار جديد يمكن فيه لتاريخ الدم السوري أن يبدأ في التحول نحو مساءلة ومحاسبة حقيقية، تُعيد للضحايا بعضًا من حقهم.