عقد مجلس الأمن الدولي، مساء الثلاثاء، اجتماعًا وزاريًا استثنائيًا لبحث تطورات الشرق الأوسط، وعلى رأسها القضية الفلسطينية، وسط مشهد متأزم تزداد فيه الدعوات الدولية إلى التحرك العاجل. ترأس الجلسة وزير الخارجية الفرنسي، بحضور الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، الذي أطلق تحذيرات صريحة بشأن اقتراب حل الدولتين من "نقطة اللاعودة"، داعيًا المجتمع الدولي إلى اتخاذ خطوات لا رجعة فيها لإنقاذ آخر ما تبقى من هذا المسار السياسي شبه الميت.
غوتيريش شدد على أن الشرق الأوسط يقف على مفترق طرق تاريخي، بين العنف والانهيار من جهة، وبين فرص التحول والعدالة من جهة أخرى، مؤكدًا أن السلام في المنطقة لا يمكن أن يتحقق دون الاعتراف بحقوق الفلسطينيين الوطنية. وأوضح أن الإجراءات الإسرائيلية على الأرض، من قصف وقتل وتجويع وتهجير في غزة والضفة، تسهم في تقويض أي إمكانية لاستعادة المسار السلمي، محذرًا من أن إنكار الحقوق الفلسطينية تحت أنظار العالم يهدد الشرعية الدولية.
في كلمته، تحدث غوتيريش عن الانهيار الإنساني الكارثي في غزة، مشيرًا إلى أن أكثر من مليوني شخص يُحرمون من المساعدات الأساسية منذ نحو شهرين، مع استمرار إسرائيل في منع إدخال الوقود والأدوية والغذاء، وهو ما وصفه بـ"غير القابل للتفاوض"، محذرًا من استخدام تلك المساعدات كأداة ضغط عسكرية. كما أعرب عن قلقه من التصعيد في الضفة الغربية، حيث تُستخدم الأسلحة الثقيلة وتُفرض قيود على الحركة ويتم توسيع الاستيطان بشكل خطير.
محكمة العدل الدولية كانت حاضرة أيضًا في السياق، إذ أشار الأمين العام إلى المرافعات الجارية بشأن مسؤوليات إسرائيل كقوة احتلال، موضحًا أن المستشارة القانونية للأمم المتحدة قدّمت موقف المنظمة رسمياً أمام المحكمة. وأكد ضرورة احترام إسرائيل لالتزاماتها الدولية، بما في ذلك حماية موظفي الأمم المتحدة ومنشآتها، مع التأكيد على الحصانة الكاملة لوكالة الأونروا وسائر الكيانات الأممية في الأراضي الفلسطينية.
من جهته، عبّر مندوب الجزائر عن استيائه من ما وصفه بـ"تخاذل مجلس الأمن" في وقف العدوان الإسرائيلي، متهماً الاحتلال بممارسة سياسة تدمير منظم وممنهج ضد الفلسطينيين، وقال إن ما يجري ليس حربًا بل عملية تطهير وإبادة في ظل غياب المساءلة الدولية. ودعا إلى تحرك فوري لفرض وقف إطلاق النار وإنهاء الحصار وتجنيب الفلسطينيين كارثة إنسانية أعمق من تلك الجارية.
أما مندوب بنما، فقد وصف الحرب في غزة بأنها الكارثة الإنسانية الأكبر في التاريخ الحديث، مطالبًا بوقف فوري لإطلاق النار والسماح بدخول المساعدات بشكل آمن، كما شدد على ضرورة إعادة بناء آليات الحكم في غزة، بما يضمن حماية المدنيين والعاملين الإنسانيين. وأكد على أهمية احترام القانون الدولي في الضفة الغربية أيضًا، حيث تتزايد الانتهاكات بحق الفلسطينيين.
الموقف البريطاني جاء متناغمًا مع خطابات القلق المتصاعدة، إذ دعا وكيل وزارة الخارجية راي كولينز إلى العودة إلى وقف إطلاق النار لإنهاء ما سماه "النزيف الدموي الرهيب"، مشيرًا إلى نفاد مخزون الغذاء لدى برنامج الأغذية العالمي. وأكد كولينز أنه من غير المقبول أن تواصل إسرائيل منع دخول الدعم الإنساني، وأنه لا بد من تمكين موظفي الأمم المتحدة من أداء مهامهم بأمان، وفقًا للقوانين والمبادئ الدولية.
في مداخلاتهم المختلفة، أعرب العديد من المندوبين عن قلقهم من أن استمرار تجاهل الوضع القائم يرسخ نهج ازدواجية المعايير الدولية، ويؤسس لمزيد من العنف والتصعيد الذي قد يمتد خارج حدود فلسطين. وبرزت دعوات متكررة لعقد المؤتمر الدولي الذي سيعقد في يونيو بقيادة فرنسا والسعودية كفرصة أخيرة لإعادة إحياء حل الدولتين. غير أن جميع المتحدثين أشاروا إلى أن هذه الفرصة ستتبدد سريعًا إن لم يتم اتخاذ قرارات عملية وفورية على الأرض.
التقرير الوزاري الطارئ للمجلس لم يُتوج بأي قرار ملزم، لكنه يعكس تزايد الإدراك بأن الوقت يوشك على النفاد أمام المساعي الدبلوماسية، في ظل وقائع دامية تتغير بوتيرة متسارعة على الأرض. وبينما تحذر الأمم المتحدة من "اللاعودة"، تبقى إرادة الفعل هي المفقودة وسط مشهد دولي يُكرر عبارات القلق دون ترجمتها إلى أدوات ضغط فعلية توقف النزيف وتعيد الاعتبار للحل السياسي.