في خضم التصعيد المتواصل على قطاع غزة، ومع دخول الحصار الإسرائيلي شهره الثالث، تتفاقم الكارثة الإنسانية وسط تحذيرات من مجاعة وشيكة قد تحصد أرواح الآلاف، لا سيما الأطفال. هذا الانهيار الإنساني المتسارع بات يشكل عاملاً ضاغطًا على المجتمع الدولي، الذي يواجه اختبارًا أخلاقيًا وقانونيًا غير مسبوق، وسط مطالبات متزايدة بضرورة التدخل الفوري لوقف الحرب وفتح المعابر. الوضع الغذائي في القطاع لم يعد يترك مجالًا للتأخير، بعدما فقدت المنظمات الإغاثية القدرة على العمل في بيئة يطغى عليها القصف والدمار.
في المقابل، تشهد السلطة الفلسطينية تحركات دبلوماسية لافتة، كان أبرزها زيارة رئيس الوزراء الفلسطيني محمد مصطفى إلى المملكة المتحدة، والتي تُوجت بتوقيع مذكرة تعاون تؤكد على الالتزام بحل الدولتين وإنهاء الاحتلال. هذا الحراك السياسي يعكس استثمار القيادة الفلسطينية للفراغ الدولي والتناقضات الغربية تجاه ما يجري في غزة، بهدف حشد دعم استراتيجي طويل الأمد يعزز الحضور الفلسطيني في المحافل السياسية والإنسانية الدولية. إذ لم تعد فلسطين تكتفي بخطابات الإدانة، بل باتت تحوّل المأساة الميدانية إلى قضية تحرج صمت العواصم المؤثرة.
على مستوى الداخل الفلسطيني، عادت المؤسسات الحكومية للعمل بخطط طوارئ في محافظات شمال الضفة الغربية التي تشهد تصعيدًا إسرائيليًا متواصلاً. إذ تبنّى مجلس الوزراء تدخلات اقتصادية وميدانية لتعزيز صمود المواطنين، إلى جانب إطلاق مشاريع استراتيجية أبرزها محطة كهرباء في جنين وخطة وطنية للطاقة المتجددة. هذه المشاريع لا تعكس فقط تخفيف الأزمة، بل تشي برؤية اقتصادية تسعى لبناء بنية تحتية مستقلة نسبيًا عن تحكم الاحتلال في مصادر الطاقة والمياه، ما قد يمهد لنقاشات أوسع حول السيادة الاقتصادية الفلسطينية.
في هذا السياق، يتداخل الانهيار الإنساني في غزة مع التحولات السياسية الجارية في الضفة الغربية، ليشكّلا معًا مشهدًا فلسطينيًا مركبًا أمام العالم، يضغط من جهة على إسرائيل ويمنح من جهة أخرى زخماً للقيادة الفلسطينية في تجسيد مشروع الدولة. الأزمة لم تعد مجرد مأساة محصورة جغرافيًا، بل باتت نقطة اشتباك سياسي بين الاحتلال والشرعية الدولية، وبين مشروع السيطرة ومشروع التحرر، وسط تساؤلات مفتوحة حول ما إذا كانت هذه اللحظة الإنسانية والسياسية ستُستثمر كمنعطف تاريخي في مسار الصراع الفلسطيني الإسرائيلي.