آخر الأخبار

تقارب إيطالي أمريكي متسارع وتفاهمات إقليمية ودولية تكشف عن إعادة تشكيل التحالفات في عالم ما بعد أوكرانيا.للمزيد..

تقارب إيطالي أمريكي متسارع وتفاهمات إقليمية ودولية تكشف عن إعادة تشكيل التحالفات في عالم ما بعد أوكرانيا.للمزيد..

 

في تطور سياسي لافت، كشفت زيارة رئيسة الوزراء الإيطالية إلى الولايات المتحدة ولقائها بدونالد ترمب عن بداية محورية لتحولات في خريطة التحالفات الغربية. اللقاء الذي وُصف بـ"الودي والاستراتيجي"، لم يقتصر على المجاملات، بل تضمّن ملفات حساسة تتعلق بالهجرة، الأمن، والمخدرات، إلى جانب إعلان إيطاليا استثمار 10 مليارات دولار في الاقتصاد الأمريكي، ما يعكس اندفاعًا إيطاليًا مبكرًا نحو ترمب كمرشح رئاسي محتمل في 2024.

المحادثات بين الطرفين أظهرت توافقًا سياسيًا واقتصاديًا ملحوظًا، حيث أعرب ترمب عن نيته زيارة روما قريبًا، وهو ما يُقرأ على أنه محاولة منه لتعزيز صورته الدولية وإعادة تثبيت حضوره الدبلوماسي. أما من الجانب الإيطالي، فتبدو هذه الزيارة كخطوة استباقية لإعادة التموضع ضمن التحالفات الغربية في حال عاد ترمب إلى السلطة، خصوصًا في ظل تعقيدات ملف أوكرانيا وصعود الخطابات القومية داخل أوروبا.

بالتزامن مع هذه التحركات، أدلى ترمب بتصريحات لافتة حول الحرب الأوكرانية، معتبرًا أن العالم "يقترب من السلام" هناك، ومعلنًا عن مبادرة أمريكية سيتلقّى الروس ردًّا رسميًا بشأنها هذا الأسبوع. هذا يشير إلى أن إدارة ترمب (رسمية كانت أو ظلّية) تتحرك دبلوماسيًا خلف الكواليس، في وقت تعاني فيه إدارة بايدن من ضغوط داخلية وخارجية بشأن كلفة الحرب.

ترمب أيضًا صرّح بأنه سيتم توقيع اتفاق مع أوكرانيا حول المعادن، وهو إعلان يحمل دلالات اقتصادية عميقة تتجاوز مجرد التجارة. فهو يؤسس لمعادلة "المعادن مقابل الدعم" في إطار إعادة بناء الاقتصاد الأوكراني تحت مظلة النفوذ الغربي، حتى في ظل استمرار المعارك، ما يطرح تساؤلات حول مدى واقعية هذه الاتفاقيات في ظل النزاع المفتوح.

في الملف الإيراني، أرسل ترمب رسائل مزدوجة، حيث أكد أنه ليس في عجلة من أمره لمواجهة إيران عسكريًا، لكنه في الوقت ذاته حذّرها من امتلاك السلاح النووي. تصريحاته تضمنت لهجة تصالحية مشروطة، إذ قال إنه لا يريد تجريد إيران من مواردها ولا أراضيها، لكنه يرفض حصولها على القنبلة، مشيرًا إلى أن واشنطن مستعدة لرؤية إيران مزدهرة "إذا اختارت الطريق الصحيح".

هذه النغمة، وإن بدت أكثر نعومة من المعتاد، تأتي في ظل حديث المتحدث الأممي ستيفان دوجاريك عن وجود جولة ثانية من الحوار بين طهران وواشنطن، معتبرًا ذلك "مؤشرًا إيجابيًا"، في وقت تصاعدت فيه التوترات بالخليج. التفاؤل الأممي بحلحلة جزئية للملف النووي يقابله تخوف واضح من اشتعال الوضع في غزة، حيث حذر دوجاريك من أن القطاع "على بعد خطوات من الانهيار الكامل"، مع تصاعد أعداد الشهداء بفعل الغارات الإسرائيلية.

في هذا المشهد المعقّد، يُسجل الحراك الثلاثي بين العراق، سوريا، وقطر من العاصمة الدوحة، كتطور إقليمي لافت. الاجتماع يأتي في ظل توسع الاعتداءات الإسرائيلية في سوريا، وتعبير بغداد عن قلقها المتزايد من تلك الهجمات. التنسيق بين هذه الدول قد يكون محاولة لتشكيل جبهة عربية لاحتواء الأزمة السورية أو على الأقل متابعة تطوراتها بشكل مباشر دون وساطة إقليمية أخرى.

زيارة ترمب وخطابه الأخير يعكسان محاولة واضحة لإعادة رسم خريطة النفوذ الأمريكي بطريقة هجينة: لا حرب مفتوحة، ولا انسحاب كامل. بل عبر أدوات اقتصادية وتحالفات ناعمة تضمن له استعادة التأثير دون كلفة مباشرة. هذا النهج يفرض تحديات كبيرة على الدول الأوروبية التي باتت منقسمة بين من يراهن على استمرار بايدن، ومن يستعد لترمب مجددًا.

على المستوى الاقتصادي، لم يُخفِ ترمب نيته لإعادة فرض رسوم جمركية أعلى على بعض الدول، في إطار سياسة "أمريكا أولًا"، مؤكدًا وجود محادثات تجارية جديدة مع عدة دول دون الكشف عن التفاصيل. هذه الرسالة تكشف عن عودة خطاب الحمائية الاقتصادية، مع ملامح لتفاهمات مبكرة مع حلفاء يعتبرون أنفسهم ضحايا لسياسات بايدن الانفتاحية.

وفي خضم هذه التغيرات، تظهر أوكرانيا كجزء من مشروع استثمار وليس فقط ساحة حرب. فالاتفاق المعلن مع كييف بشأن المعادن، يشير إلى أن واشنطن تخطط لإدماج أوكرانيا في سلسلة التوريد العالمية، خصوصًا في القطاعات الحساسة كالمعادن النادرة، ما يفسر بعض مظاهر الدعم المستمر رغم تململ بعض الحلفاء الأوروبيين.

أما الداخل الأمريكي، فشهد انتقادات حادة من ترمب تجاه رئيس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول، ما يعكس استمرار الصراع حول سياسات رفع الفائدة وتأثيرها على الاقتصاد. هذا يندرج ضمن خطاب انتخابي متسارع يسعى فيه ترمب لاستعادة قاعدته الاقتصادية التي تأثرت بتضخم السنوات الماضية.

كل هذه التطورات تقودنا لفهم أكبر لحالة السيولة الجيوسياسية الحالية، حيث لا توجد خطوط واضحة بين الحرب والدبلوماسية، ولا بين الخصومة والتعاون. يتغير ميزان القوى بسرعة، واللاعبون الإقليميون يعيدون حساباتهم بما يتناسب مع التحولات الكبرى المقبلة، والتي يبدو أن موعدها الحاسم سيكون مع الانتخابات الأمريكية المقبلة.

وفي الشرق الأوسط، تبقى سوريا وغزة ساحتين مفتوحتين على كل الاحتمالات، في ظل عجز واضح في الموقف الدولي، وتردد في الحسم السياسي. وبينما تتجه أنظار واشنطن إلى أوكرانيا والصين، يبدو أن ملف الشرق الأوسط يُدار بالحد الأدنى من الاهتمام، تاركًا هامشًا أكبر لتحركات عربية ومحلية تحاول ملء الفراغ، ولو مؤقتًا.

ختامًا، فإن مشهد التحالفات الدولية اليوم لا يشبه ما كان عليه قبل سنوات قليلة. لا حلفاء دائمين ولا أعداء دائمين، بل شبكة مصالح متغيرة تُبنى على أساس ما هو آني وفعّال، وليس ما هو أخلاقي أو مبدئي. وفي هذا الواقع الجديد، ستكون الدول التي تتحرك مبكرًا وتُعيد تموضعها هي القادرة على الصمود وربما التأثير.