في يوم ربيعي بدا عادياً، استقلت أللا شيرشونكوفا الحافلة رقم 62 متجهة نحو كوخها قرب مدينة سومي الأوكرانية. بدا كل شيء طبيعياً، الطقس جميل والطيور تغرد، والناس يتجهون نحو الكنائس للاحتفال بأحد الشعانين. الحافلة كانت مكتظة بالركاب، أطفال وأسر وركّاب عاديون، لم يتوقعوا أن يتحول الطريق إلى مأساة دامية خلال دقائق.
انفجار أول دوّى في الأفق، ثم ثانٍ أقرب وقع بينما كانت الحافلة تمر في شارع بيتروبافليفيسكا، فقلب المدينة إلى ساحة رعب. شيرشونكوفا جلست خلف السائق، لم تر الانفجار لكنها شعرت به، فغطّت رأسها بيديها. ما حدث بعد ذلك كان مزيجاً من الدم والدخان والزجاج المتطاير، وصمت القتلى الذين سقطوا عند قدميها دون استجابة لنداءاتها.
عدد القتلى بلغ 35 شخصاً، بينهم طفلان في السابعة والحادية عشرة. موقع التفجير تحوّل إلى مزار صغير، وضعت عليه ألعاب أطفال: دب، فرس نهر، سيارة، وكرة. كانت تلك هي أكثر لحظة دموية في عام 2025 حتى الآن ضمن حرب روسيا المستمرة على أوكرانيا، حيث استُخدمت صواريخ إسكندر محملة بذخائر عنقودية قاتلة تسببت في موجة شظايا مدمرة.
من بين 129 جريحاً، كان هناك 15 طفلاً، بعضهم في حالة حرجة. الممرضون في مستشفى سومي وصفوا المشهد بأنه أقرب إلى "الجحيم"، مع أجساد متفحمة وفتاة صغيرة تصرخ وهي مغطاة بالدماء. شيرشونكوفا التي نجت بصعوبة، قالت إنها تذكرت دروس الدفاع المدني من أيام الاتحاد السوفيتي، حين طُلب من الطلاب تغطية رؤوسهم وإغلاق أفواههم وقت الانفجار.
الضربة لم تكن فقط عسكرية، بل سياسية أيضاً، حيث تزامنت مع تصعيد روسي في مناطق عدة مثل خاركيف ودنيبرو، بعد أن رفضت موسكو مقترح هدنة مدته 30 يوماً كانت واشنطن قد عرضته. بالمقابل، الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب لم يكتفِ بالتقاعس، بل وصف هجوم سومي بأنه "خطأ"، مثيراً غضب الناجين الذين اتهموه بتأييد روسيا وتجاهل معاناة المدنيين.
أحد الجرحى، هنادي سمولياروف، أكد أن ما يحدث "إبادة جماعية"، واستعاد ذكرياته عندما كان يُلقب في موسكو بـ"خوكهول"، وهو تعبير عنصري ضد الأوكرانيين. سمولياروف كان على متن الحافلة لشراء قطرات عين لزوجته، وانتهى به الأمر جريحاً بعد أن اخترقت الشظايا رئته ورأسه. شدة الانفجار كانت كبيرة لدرجة أن الضباب الناتج منع رؤية الداخل بالكامل.
في مشهد يعكس فوضى اللحظة، تم سحب سمولياروف من الحافلة بواسطة متطوع أمسكه من سترته الجلدية. الساعة الجدارية داخل معهد الفيزياء توقفت عند لحظة الانفجار: 10:20:40 صباحاً. على الجانب الآخر من الشارع، خلّفت القذائف فجوة ضخمة في مبنى الاقتصاد.
فكتور فويتينكو، حارس أمني في معهد الفيزياء، أصيب بشظايا في عموده الفقري، ولم يعد يشعر بساقيه. يصف الهجوم بأنه حلقة جديدة في سلسلة من الاعتداءات المستمرة على المدينة منذ سنوات، باستخدام طائرات شاهد وصواريخ متواصلة. مدينة سومي لا تبعد سوى 30 كيلومتراً عن الحدود الروسية، مما يجعلها هدفاً دائماً.
فويتينكو، الذي عمل سابقاً في مشروع تنظيف تشرنوبل، قال إن الكرملين مدفوع بجنون إمبريالي لا ينتهي. ما قبل الحرب كان يعيش حياة مستقرة، ولديه زوجة وابنة وسيارتان. سائق الحافلة، نيكولا ليون، الذي قُتل في الهجوم، كان قريباً له من بعيد، ما أضاف بعداً شخصياً للمأساة التي ضربت الحي.
المشهد العام يعكس تدهوراً خطيراً في الحالة الإنسانية والسياسية. الضربات الروسية ليست فقط استراتيجية بل ترهيبية، تزرع الرعب في نفوس السكان وتقطع أوصال المجتمع. بينما يُتهم ترامب بأنه يردد روايات الكرملين، فإن الفجوة بينه وبين من يتألمون في أوكرانيا تتسع يوماً بعد يوم.
في جنازة ضحايا الهجوم، وقف الأهالي في صمت تام، بينما ترددت صرخات الأطفال ودموع الأمهات. كل لعبة وُضعت على الرصيف كانت شهادة على براءة سُحقت، وواقع مرير يتجاهله العالم أو يتعامل معه ببرود سياسي مخيف. المؤشرات الحالية توحي أن الحرب ستستمر، ومعها ستتكرر مآسي مثل سومي.
الناجون، رغم الألم، يملكون بقايا أمل. شيرشونكوفا قالت إنها تتطلع للعودة إلى كوخها لرؤية الطماطم والفلفل التي زرعتها على شرفة منزلها. وسط الدم والركام، لا تزال هناك رغبة في الحياة، وفي الاستمرار، وفي أن تُزهر الأحواض الصغيرة ولو من بين أنقاض المدن المدمرة.