شهدت الأسابيع الأخيرة تصعيدًا غير مسبوق في الهجوم الإسرائيلي على قطاع غزة، حيث أعلنت إسرائيل عن توسيع مناطق احتلالها بشكل متدرج، مما يؤدي إلى تقليص المساحة المتاحة للسكان الفلسطينيين. حتى الآن، تسيطر إسرائيل على أكثر من 35% من القطاع، في أوسع عملية احتلال للأراضي منذ عقود. هذا التصعيد يترافق مع تكثيف الهجمات البرية التي تركزت على مناطق جنوب رفح وشرق القطاع، حيث تمت السيطرة على المزيد من الأراضي بشكل تدريجي، مع تكهنات بأن الاحتلال يخطط لتوسيع نطاق الهجوم ليشمل مناطق جديدة.
الاحتلال لا يقتصر على الهجمات الجوية والمدفعية فحسب، بل يشمل أيضًا عمليات إخلاء واسعة طالت مناطق تزيد على 30% من القطاع، مما أدى إلى إجبار آلاف المواطنين على ترك منازلهم. هذه الأوامر لم تقتصر على مناطق كانت تحت الاحتلال بالفعل، بل شملت أيضًا مناطق أخرى تتعرض لقصف مكثف، ما يشير إلى نية إسرائيل في تعزيز السيطرة على مناطق جديدة وحصر الفلسطينيين في مساحة ضيقة. هذا التحرك يأتي في وقت تزايد فيه التهديدات الإسرائيلية بتوسيع المنطقة العازلة التي تفصل بين القطاع وبقية الأراضي المحتلة.
وفقًا للمصادر العسكرية الإسرائيلية، تسعى الحكومة لتقسيم قطاع غزة إلى خمس مناطق رئيسية عبر محاور جديدة تهدف إلى عزل المناطق الفلسطينية عن بعضها البعض. هذه الخطة تندرج ضمن استراتيجيات وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس، الذي يرغب في تحويل هذه المناطق إلى "جزر معزولة" بعيدًا عن العالم الخارجي. هذه المحاور تشمل مناطق حيوية مثل جباليا ونتساريم وكيسوفيم، مما يخلق واقعًا ميدانيًا جديدًا يتسم بالعزلة، ويزيد من صعوبة التنقل بين مناطق القطاع.
على الرغم من حجم العمليات العسكرية المكثفة، يشير المحللون إلى أن الخطط الإسرائيلية تواجه تحديات كبيرة، بما في ذلك مقاومة الفلسطينيين العنيفة. عمليات الاحتلال تركز على مناطق مثل رفح، حيث جرى تشديد السيطرة بشكل كامل على المدينة وتحويلها إلى منطقة عازلة، وهو ما يُنظر إليه كجزء من خطة طويلة الأمد لتوسيع هذه المناطق العازلة. رغم ذلك، فإن هناك سيناريوهات عدة حول مستقبل هذه الخطة، حيث يتوقع البعض أن تستمر المقاومة الفلسطينية في التصدي لهذه المحاولات، بينما يرى آخرون أنها قد تكون ورقة ضغط سياسية تهدف إلى تحسين شروط التفاوض في المستقبل.
إسرائيل تمكنت مؤخرًا من فرض سيطرتها الكاملة على محافظة رفح، بعد أن أجبرت السكان على مغادرة مناطقهم بالكامل. هذا التحرك تم بالتوازي مع إقامة محور جديد يفصل رفح عن خان يونس، ويساهم في تعزيز حصار القطاع. وقد أفادت تقارير الأمم المتحدة أن عملية الإخلاء في رفح شملت نحو 90 ألف شخص، مما يضاعف من معاناتهم في ظل الظروف الإنسانية الصعبة. الهجوم على رفح يعني أن المدينة أصبحت "شبه مهجورة" بعد الدمار الواسع الذي لحق بها، ما يشير إلى أن الاحتلال يسعى إلى تكريس الواقع العسكري الجديد.
وفيما يتعلق بالسيناريوهات المستقبلية، يعتقد بعض الخبراء أن الاحتلال الإسرائيلي قد ينجح في إقامة هذه المناطق العازلة لفترة طويلة، حيث تدعم هذه الاستراتيجية مصالحه الأمنية. لكن، في المقابل، هناك أيضًا رأي يرى أن هذه المخططات قد تواجه فشلاً ذريعًا، خاصة في ظل المقاومة الفلسطينية المتزايدة والرفض الدولي لهذه السياسات. إضافة إلى ذلك، هناك شكوك بشأن الموقف المصري والدولي تجاه هذه التطورات، مما يزيد من تعقيد الصورة.
الاحتلال الإسرائيلي لا يبدو مستعدًا للتراجع في مواجهته مع الفلسطينيين في غزة، حيث تشير التقارير إلى أن المنطقة العازلة التي تشمل رفح قد تمتد لتشمل مزيدًا من الأراضي المجاورة. هذا التحرك قد يعزل القطاع بالكامل عن الحدود المصرية، وهو ما يراه البعض تهديدًا مباشرًا للسيادة الفلسطينية في غزة. في هذا السياق، يتزايد القلق بشأن تداعيات هذا التحرك على الأوضاع الإنسانية، حيث يعاني السكان من شح الموارد وانعدام الأمل في المستقبل.
من جانب آخر، تتزايد التحليلات حول استخدام إسرائيل لهذه المخططات كأداة ضغط سياسية على حركة حماس. التقرير الأخير لصحيفة "معاريف" يشير إلى أن السيطرة على رفح قد تكون جزءًا من عملية ضغط على حماس للموافقة على صفقة لوقف إطلاق النار، وهو ما يعكس التوجهات السياسية في الفترة المقبلة. هذا يعزز الفكرة بأن الوضع في غزة قد يتجه نحو تسوية مؤقتة بدلًا من التصعيد العسكري المستمر.
بالتالي، تظل الخيارات مفتوحة أمام الاحتلال الإسرائيلي في غزة، ولكن التحديات الميدانية والسياسية تظل حاضرة بقوة. تحاول إسرائيل بكل الطرق إحكام سيطرتها على غزة، لكن التصعيد قد يؤدي إلى نتائج غير محسوبة، مما يجعل الوضع في القطاع أكثر تعقيدًا وصعوبة.