في خطوة مفاجئة للبعض، أعلن إيلون ماسك أن شركته الناشئة في مجال الذكاء الاصطناعي xAI استحوذت على منصة X (تويتر سابقًا) في صفقة أسهم كاملة. هذا الإعلان، رغم كونه غير متوقع، جاء متناغمًا مع طريقة تفكير ماسك القائمة على توحيد مصالحه تحت مظلة واحدة. فروبوت الدردشة "Grok" الخاص بـxAI كان بالفعل مدمجًا داخل X، والمنصة كانت تمر بظروف مالية صعبة، ما جعل الصفقة تبدو محاولة لإعادة تأطير استحواذ تويتر المكلف كجزء من خطة أوسع لفرض الهيمنة في سباق الذكاء الاصطناعي العام.
تكشف هذه الصفقة عن صورة أعمق لآلية عمل إمبراطورية ماسك، حيث لا يُنظر إلى الاستثمار في شركاته من زاوية تحقيق أرباح فورية، بل باعتباره رهانًا طويل الأمد على شخصه. فالسوق أصبح أكثر استعدادًا لتقبّل سرديات النجاح، خاصة تلك المرتبطة بشخصية ماسك المثيرة، حتى وإن كانت هذه السرديات غير مدعومة بأرقام صلبة. يصفها البعض بالوهم والخداع، لكنها لا تزال تستقطب المستثمرين الذين يثقون بقدرة ماسك على تحقيق اختراقات مستقبلية ضخمة.
تتجاوز العلاقة بين شركات ماسك حدود الاستقلال، إذ يقول خبراء إن كل شركاته تتصرف وكأنها كيان واحد موحّد. موظفون مشتركين، رأس مال مشترك، وتبادل خدمات وتقنيات داخلي. هذا النهج يكرس مفهوم "Elon Inc"، حيث يتعامل ماسك مع مشاريعه كأذرع مختلفة لمهمة موحّدة، ما يعزز من منطق دمج xAI وX كخطوة طبيعية لإنهاء وهم الفصل بين الكيانات المختلفة.
يرى مستثمرون بارزون مثل رون بارون أن كل مشروع يطلقه ماسك يصب في مصلحة بقية مشاريعه، حتى وإن بدا غير مرتبط في البداية. فشراء تويتر – حسب رؤيته – قد يكون هدفه الحقيقي الوصول إلى بيانات المستخدمين، تمامًا كما أن مشروع الذهاب إلى المريخ قد يكون وسيلة للسيطرة على شبكة إنترنت فضائية. من تسلا إلى نيورالينك إلى X، كلها أجزاء من منظومة متشابكة تسعى لخلق واقع جديد يتحكم فيه ماسك بالبنية التحتية لمستقبل العالم.
من الناحية المالية، أثار استحواذ xAI على X تساؤلات حول التقييمات غير المنطقية. فكيف ارتفعت قيمة X إلى 33 مليار دولار خلال أشهر، وxAI إلى 80 مليار دون إيرادات تذكر؟ الجواب، كما يرى محللون، يكمن في الحلم. السوق، خصوصًا في حالة ماسك، أصبح يراهن على المستقبل لا الحاضر، مستعدًا لتحمل الخطر في سبيل إمكانية تحقيق قفزات نوعية تغير شكل الاقتصاد والتقنية.
تجربة تسلا مثال واضح على هذا النوع من الاستثمار. رغم كونها شركة سيارات، إلا أن السوق يتعامل مع سهمها كسهم تقني، ما يمنحه مضاعفات أرباح خيالية مقارنة بالمنافسين. ويعزو ذلك إلى إيمان المستثمرين بقدرة تسلا – وماسك – على أن تكون أول من يحقق طفرة القيادة الذاتية، مما يعزز من مكانتها ويبرر التقييم العالي. نفس المنطق يُستخدم الآن في تقييم xAI، رغم افتقارها لمقومات الشركات الكبرى من حيث العائدات أو الاستقرار.
لكن هذه الاستراتيجية ليست دون مخاطر. فهناك دعاوى قضائية قائمة ضد X تتهم ماسك بإخفاء معلومات حساسة عند شراء تويتر، مما أتاح له اقتناص أسهم بأسعار منخفضة. كما تُطرح تساؤلات حول الخصوصية، خاصة بعد دمج بيانات مستخدمي X تلقائيًا في تدريبات الذكاء الاصطناعي، مما دفع جهات تنظيمية أوروبية لفتح تحقيقات. هذه العوامل قد تهدد استقرار الاستثمارات وتثير الشكوك حول نزاهة بعض قرارات ماسك.
يبقى الخطر الأكبر، بحسب مراقبين، هو طبيعة ماسك الشخصية. إذ سبق أن أبدى اهتمامًا مفاجئًا بمشاريع ثم تخلى عنها لاحقًا. ويخشى بعض المساهمين في تسلا أن يكون تركيزه الحالي منصبًا على قضايا سياسية أو مشاريع أخرى على حساب شركتهم. هذا التقلب في الاهتمامات يجعل من الاعتماد الكامل على "رؤية ماسك" مغامرة محفوفة بالتقلبات.
ومع ذلك، يصرّ مؤيدو ماسك على أنه الشخص القادر على إعادة تشكيل عالم الاستثمار كما نعرفه. فهم يرونه ليس مجرد رائد أعمال، بل كقوة دافعة قادرة على تطويع أسواق المال والتقنية لخدمة أحلام تبدو مستحيلة. ومن يؤمنون به يراهنون على قدرته في فتح أبواب استثمارية مغلقة، مثل الوصول إلى SpaceX أو Neuralink، التي لا يمكن الدخول إليها إلا عبر "بوابة رضا إيلون".